عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى: إِنَّ رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَعْضِ أَيَّامِهِ الَّتِي
لَقِيَ فِيهَا الْعَدُوَّ انْتَظَرَ حَتَّى مَالَتِ الشَّمْسُ ثُمَّ قَامَ فِي
النَّاسِ فَقَالَ: "أَيُّهَا
النَّاسُ لَا تَمَنَّوْا لِقَاءَ الْعَدُوِّ وَسَلُوا اللَّهَ الْعَافِيَةَ
فَإِذَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاصْبِرُوا وَاعْلَمُوا أَنَّ الْجَنَّةَ تَحْتَ
ظِلَالِ السُّيُوفِ ثُمَّ قَالَ اللَّهُمَّ مُنْزِلَ الْكِتَابِ وَمُجْرِيَ
السَّحَابِ وَهَازِمَ الْأَحْزَابِ اهْزِمْهُمْ وَانْصُرْنَا عَلَيْهِمْ". أخرجه البخاري (3/1082 ،
رقم 2804) ، ومسلم (3/1362 ، رقم 1742) ، وأبو داود (3/42 ، رقم 2631) . وأخرجه
أيضًا : أحمد (4/353 ، رقم 19137). قال الحافظ ابن حجر
العسقلاني في "فتح الباري بشرح صحيح البخاري": أَشَارَ بِهَذَا
الدُّعَاء إِلَى وُجُوه النَّصْر عَلَيْهِمْ, فَبِالْكِتَابِ إِلَى قَوْله
تَعَالَى: (قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبهُمْ اللَّه
بِأَيْدِيكُمْ) وَبِمُجْرِيَ السَّحَاب إِلَى
الْقُدْرَة الظَّاهِرَة فِي تَسْخِير السَّحَاب حَيْثُ يُحَرِّك الرِّيح بِمَشِيئَةِ
اللَّه تَعَالَى, وَحَيْثُ يَسْتَمِرّ فِي مَكَانه مَعَ هُبُوب الرِّيح, وَحَيْثُ
تُمْطِر تَارَة وَأُخْرَى لَا تُمْطِر, فَأَشَارَ بِحَرَكَتِهِ إِلَى إِعَانَة
الْمُجَاهِدِينَ فِي حَرَكَتهمْ فِي الْقِتَال, وَبِوُقُوفِهِ إِلَى إِمْسَاك
أَيْدِي الْكُفَّار عَنْهُمْ, وَبِإِنْزَالِ الْمَطَر إِلَى غَنِيمَة مَا
مَعَهُمْ حَيْثُ يَتَّفِق قَتْلهمْ, وَبِعَدَمِهِ إِلَى هَزِيمَتهمْ حَيْثُ
لَا يَحْصُل الظُّفْر بِشَيئ مِنْهُمْ, وَكُلّهَا أَحْوَال صَالِحَة
لِلْمُسْلِمِينَ. وَأَشَارَ بِهَازِمِ الْأَحْزَاب إِلَى التَّوَسُّل
بِالنِّعْمَةِ السَّابِقَة, وَإِلَى تَجْرِيد التَّوَكُّل, وَاعْتِقَاد أَنَّ
اللَّه هُوَ الْمُنْفَرِد بِالْفِعْلِ. وَفِيهِ التَّنْبِيه عَلَى عِظَم
هَذِهِ النِّعَم الثَّلَاث, فَإِنَّ بِإِنْزَالِ الْكِتَاب حَصَلَتْ
النِّعْمَة الْأُخْرَوِيَّة وَهِيَ الْإِسْلَام, وَبِإِجْرَاءِ السَّحَاب
حَصَلَتِ النِّعْمَة الدُّنْيَوِيَّة وَهِيَ الرِّزْق, وَبِهَزِيمَةِ
الْأَحْزَاب حَصَلَ حِفْظ النِّعْمَتَيْنِ, وَكَأَنَّهُ قَالَ: اللَّهُمَّ
كَمَا أَنْعَمْت بِعَظِيمِ النِّعْمَتَيْنِ الْأُخْرَوِيَّة وَالدُّنْيَوِيَّة
وَحَفِظْتهمَا فَأَبْقِهِمَا. وعذرا على الإطالة.